وقد جعل الله
فى هذا الكوكب سر الحياة ؛ فالحرارة والضوء يطردان الأمراض وينعشان كل حى ، ولا
أدلّ على هذا مما نشاهد من فتك الأمراض بمن يكون بمنأى عن ضوئها وحرارتها ،
والجراثيم لا تتوالد إلا حيث يحتجب عنهما السكان ، ويبتعدان عن المكان.
(٩) (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً
ثَجَّاجاً) أي وأنزلنا من السحائب والغيوم التي تتحلب بالمطر ماء
كثير السيلان ، عظيم الانصباب.
ثم بين عظيم نفع
الماء وجليل فائدته فقال :
(لِنُخْرِجَ بِهِ
حَبًّا وَنَباتاً. وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) أي لنبدل بوساطته جدب الأرض خصبا ، فنخرج من الأرض حبّا
يقتات به الناس كالحنطة والشعير ، ونباتا تقتات به الدواب ، وحدائق ذات أغصان
ملتفة.
وقد جمع الله
فى هذه الآية جميع أنواع ما تنبته الأرض ، فإن ما يخرج منها إما أن يكون ذا ساق
أولا ؛ والأول إذا اجتمع بعضه إلى بعض وكثر حتى التف فهو الحديقة ؛ والثاني إما أن
يكون له أكمام فيها حب ، وإما أن يكون بغير ذلك وهو النبات ، وقدّم الحب لأنه غذاء
أشرف أنواع الحيوان وهو الإنسان ، وأعقبه بذكر النبات ، لأنه غذاء بقية أنواع
الحيوان ، وأخر الحدائق لأن الفاكهة مما يستغنى عنها الكثير من الناس.
وقال الفرّاء :
الجنة ما فيه النخيل ، والفردوس ما فيه الكرم.